نحو تصميم ألعاب “نقية”

نحو تصميم ألعاب "نقية"

في تدوينة سابقة، تحدثنا عن كيف يمكن للتوليد الإجرائي (Procedural Generation) إنتاج ألعاب فيها تحديات جديدة، مما يجعل ممكناً للاعب أن يلعب اللعبة مرة تلو أخرى، دون أن تفقد اللعبة متعتها بسرعة؛ لكن ماذا عن الألعاب التي يلعبها البعض لمئات أو ربما آلاف الساعات وهي لا تتضمن أساليب التوليد الإجرائي؟ بل لا تتضمن حتى أساليب شد اللاعب عن طريق زيادة قوته ومستواه كل ما تقدمت في اللعب – مثل معظم ألعاب تقمّص الأدوار (RPG). فما هي الأمور التي يضعها مصمم اللعبة بعين الاعتبار لتحقيق هذا الهدف؟ سأحاول في هذا المقال أن أستكشف هذا الجانب.

ألعاب نقية

chess

الألعاب النقية هي ألعاب تتكون عادة من مجموعة من القوانين، الموارد، والأهداف، وليس فيها أي نوع من أنواع الفن مثل قصة أو معزوفة وربما بدلاً من الرسوم ستحتوي هذه الألعاب على مجموعة من الرموز ذات دلالات تصبح واضحة بعد شرح قوانين اللعبة. هذه الألعاب مثل الشطرنج، ريفيرسي، كانسة الألغام، ألعاب الورق عموماً مثل البوكر أو الأونو وسوليتير، المونوبولي، باتلشيب. وأيضاً ألعاب الرياضة مثل كرة القدم، والبيسبول، جميعها تحتوي قوانين مما يجعلها تبدو لشخص يشاهدها لأول مرة غير مفهومة وتحتاج لبعض الشرح. وتتفق جميع هذه الألعاب بأنها تُلعب عادة لفترة محددة بزمن أو شرط معين وتنتهي، وسواءاً كانت اللعبة جماعية أو فردية، فهذه الألعاب تعتمد على مبدأ “المباراة” أو “اللعبة” بحيث أن اللعبة تنتهي بالفوز أو الخسارة، وتكون أيضاً ممتعة في الحالتين؛ ويمكن للاعب أن يبدأ من جديد. (على غرار كثير من ألعاب الفيديو والتي يكون فيها الفوز هو الحلقة الأخيرة في اللعبة)

قدرة مصمم اللعبة على تطوير ألعاب ممتعة تماماً بدون الحاجة لأي نوع من الفنون قد يكون أهم المعايير لإمكانيات هذا المصمم من حيث تصميم اللعبة نفسها (Game Play). وبالطبع لا أعني أن الألعاب يجب أن تكون بعيدة عن الجانب الفني لتصبح جيدة، ولكن إن كان المبدأ الأساسي للعبة ممتعاً فبلا شك ستكون اللعبة ممتعة مهما كانت السمة الفنية (Theme) لهذه اللعبة.

إضافة الطابع الفني للألعاب النقية

Chess

الكثير من الألعاب التي تعتمد على مبدأ ثابت كهذه؛ تكون متميزة بطابع فني، هذا الأمر لم يقلل من جودتها بل ربما زادها متعة وقابلية للفهم، لكن أيضاً هناك مشكلة عند صبغ لعبة بطابع فني، أنه موجه دائماً لشريحة معينة، فمثلاً طابع الوحوش والأساطير الفرعونية في لعبة الأوراق الشهيرة يوغي، قد يبعد الكثير ممن لا يستهوي هذا الطابع السحري، فمثلاً لو صبغنا اللعبة بطابع فني آخر (طابع عسكري مثلاً) ستجد نوع آخر من الناس ممن ينجذب إليها. فهو سلاح رائع ولكن يجب معرفة كيف ولماذا نستخدمه.

ولا ينحصر الأمر في هذا المثال بكل تأكيد، فمثلاً لعبة DOTA 2 حالياً أحد أكثر الألعاب استهلاكاً لساعات اللاعبين على الإطلاق حالياً، مع أنها على نقيض الألعاب الاستراتيجية الأخرى تحتوي على خريطة واحدة فقط، وعدد اللاعبين دائماً ثابت خمسة ضد خمسة، اللعبة صحيح أنها استراتيجية وقتالية، ومجرياتها في غابة سحرية. إلا أنها تذكر كثيراً بالألعاب الرياضية وفيها مصطلحات كثيرة لا يفهمها إلا اللاعبين مثل (Gank-stack – Push-Pull) وهي تشبه مصطلحات كرة القدم (التسلل – الهجمة المرتدة – الركنية)… ولذلك فالمباريات العالمية للعبة تحتوي على تعليق مثل التعليق الرياضي، واستديو لتحليل مجريات اللعبة وتوقع ما يمكن أن يحدث في الجولات التالية.

ماذا لو اختلفت سمة (Theme) اللعبة، فلنفترض أن اللعبة مجرياتها في الفضاء، واستبدلت الكائنات الغريبة الموجودة في DOTA بآليات فضائية أو مركبات، فالمصطلحات نفسها ستبقى موجودة، وستظل أرض المعركة مقسمة إلى ثلاث أجزاء (مثل تقسيمات ملعب كرة القدم) فهي شبه ثابتة، وهناك ألعاب أخرى مثل League of Legends المعروفة بـ LOL تحتوي على نفس شكل “الملعب” ونفس أدوار اللاعبين ونفس المصطلحات. ولذلك لاعب DOTA يستطيع بشكل كبير أن يفهم مجريات لعبة LOL مع أن اللعبتين من أعقد الألعاب، ويحتاج اللاعب ربما وقت طويل لفهم الأساسيات.

إذاً فإن الطابع الفني – في الحالات التي نتحدث عنها هنا – لزيادة جماليات معينة في اللعبة وقد لا يغير في اللعبة كثيراً، بل ربما قد لا يغير مطلقاً مثل لعبة الشطرنج هذه (انظر الفيديو)، والتي تختلف عن الشطرنج التقليدي بأن فيها رسوم متحركة وأصوات.

لماذا لا نمل هذه الألعاب؟

لا يمكن للعبة أن تستمر للأبد إلا إن كانت تقدم تحديات أو مهارات جديدة للاعب، عندما تحدثنا عن التوليد الإجرائي ذكرنا بعض الأمثلة عن كيف يمكن للحاسب أن يقدم تجربة جديدة للاعب كل مرة يلعب اللعبة، لكن ماذا عن لوح الشطرنج؟ لماذا لا يمل البعض من المونوبولي؟ لماذا كرة القدم ودوتا تحتوي على نفس الملعب وتتفوق في مرات اللعب على الألعاب متعددة الخرائط؟

بلا شك فإن هذه الألعاب تقدم للاعب تجربة وتحدٍ جديدين، لكن الفرق هنا أن هذه الألعاب بطبيعتها لا تتغير، ما يتغير هو الظروف التي ستصنع بدورها هذه التجربة الجديدة، كل لعبة تقوم بذلك بطريقة مختلفة؛ وسأضرب الأمثلة هنا بالألعاب التي يمكن لعبها لسنوات طويلة، وأهمل الألعاب الأبسط مثل كانسة الألغام. قوانين اللعبة، المصادر، والأهداف؛ يجب أن تحقق الشروط التالية كي تصبح لعبة نقية تقدم تجربة جديدة كل مرة تلعب فيها:

1) لا يمكن إتقانها بسهولة

عندما تبدأ بلعب الشطرنج قد تُهزم من قبل طفل أصغر منك، محاولاً فقط أن تستنج كيفية للفوز، عندما تلعب لسنة ستتمكن من مجابهة لاعبين جادين في اللعبة، ولكن قد تحتاج لعشرين سنة إضافية أخرى لتستطيع الفوز في مباريات عالمية. هذه الميزة أساسية في أي لعبة تعتمد على طريقة اللعب (Game Play)، كلما كان إتقانها يستغرق وقتاً أطول يعني أن اللاعب لن يمل اللعبة ويتركها، بل على العكس ستزداد متعته في اللعبة عندما يمتلك الكثير من الخبرة فيها. عندما يصل اللاعب إلى المرحلة التي يشعر فيها أنه لا يخسر، فسوف يمل من اللعبة.

2) يمكن لكل لاعب أن يطور أسلوبه الخاص في اللعب

yugioh

بعض اللاعبين يشتري الأراضي الرخيصة في المونوبولي محاولاً بذلك بناء المنازل قبل غيره في اللعبة ليحتكر بناء المنازل لنفسه (عدد المنازل محدود في المونوبولي)، بعض اللاعبين يعتمد على المحطات إن كان هناك الكثير من اللاعبين ليحصل على مبالغ كبيرة من المال مبكراً ليقايض بها لاحقاً على الأراضي الثمينة. البعض الآخر يستثمر كل جهوده في شراء منطقة واحدة تخرج الآخرين من اللعبة.

في لعبة الكروت يوغي البعض يعتمد على الهجوم، وآخر يجهز مجموعة كاملة تضرب نقاط العدو عن طريق الأفخاخ والضرب المباشر دون الحاجة لتخطي دفاعات العدو، هناك عدد كبير من أساليب اللعب ويمكن للاعب أن يتقن أكثر من أسلوب، ويستخدم أساليب مختلفة بحسب معرفته بأسلوب الخصم.من يلعب هذه اللعبة يعلم تماماً كيف أن اللاعبين قد يقضون وقتاً أطول في اختيار الأوراق وتنظيمها في مجموعات أكثر من وقت اللعب نفسه.

هذه النقطة تطيل عمر الألعاب بشكل كبير جداً، لأن اللاعب سيصبح له ارتباط بلعبة له فيها أساليبه الخاصة.

3) التحدي أو التنافس هو العنصر الأساسي

monopoly board

لاحظ أن جميع هذه الألعاب فيها تحدي أو تنافس كجمالية فنية أساسية من الجماليات التسعة الموجودة في الألعاب، والتنافس عادة هو العنصر الأكثر شيوعاً، والسبب هو ارتباطه بالنقطتين السابقتين، إذا استطاع مصمم اللعبة تحقيق النقطتين السابقتين بشكل جيد، فهذا يعني أن مجرد تغيير اللاعب سيعطي تجربة جديدة وتحدٍ جديد مختلف كلياً.

4) النقاشات حول أساليب اللعب قد لا تنتهي

بالطبع هنا أيضاً يجب تحقيق أول نقطتين قبل أن يصبح تحقيق هذه النقطة ممكناً، الألعاب الجيدة بما أنها تقدم تنوع ممتاز في الأساليب، هناك أشخاص يستطيعون التنبؤ بشكل لا يصدق بنتيجة مباراة ما مثل كرة القدم، هذه التوقعات ليست حول قوة الفريق وكونه سيفوز أم لا، الكثير يتوقعون لفرق أضعف أن تتفوق على فريق قوي وأحياناً بفارق كبير، وهذه تأتي عبر خبرة طويلة من التحليل، فهناك أسلوب دفاع ممتاز لكنه سيء جداً ضد الهجمات المرتدة، وقد يكون الخصم ضعيف فعلاً ولكنه ممتاز في الهجمات المرتدة، وهذا مثال بسيط كوني لست خبيراً بكرة القدم ذكرته كون هذه اللعبة معروفة من قبل الجميع.

ليس فقط التحليل والنقاشات العامة لا تنتهي، لكن أيضاً هذه الألعاب يجب أن تتمتع بإمكانية نقل الخبرات؛ اجلس مع لاعب شطرنج أو لاعب بوكر (Poker) وسيعلمك أشياء لم تكن لتتعلمها لوحدك إلا بعد سنة أو أكثر من الممارسة. وتنطبق أيضاً على الألعاب الغير ذهنية والتي تعتمد على المهارة، فيمكن في لعبة دوتا أو كرة القدم كذلك أن تتعلم الكثير بمجرد الاستماع للخبراء في هذه الألعاب.

5) يمكن أن تلعب -دون ملل- في خريطة واحدة فقط

monopoly board

خريطة، لوحة، إطار؛ لا تهم التسمية، كون هذه الألعاب تهتم بالقوانين العميقة التي تصنع التجربة، فإنه من الممكن أن يلعب اللاعب بنفس الخريطة دائماً دون ملل، وعادة ما تكون هذه سمة أساسية، بحيث لا يمكن تغيير الخريطة أو اللوحة، كون المهارات والقوانين مرتبطة أساساً بهذه الخريطة، مثل منطقة الجزاء ووسط الملعب في كرة القدم. قد تتغير أحياناً كما في لعبة الذاكرة، اللوحة تتغير؛ فهناك لوحات 10X10 ولوحات 5X5 أو كما هناك اختلافات بين خريطة DOTA وخريطة LOL ولكن الأساسيات في هذه الخرائط ثابتة لا تتغير.

العشوائية في الألعاب النقية

جميع الأمثلة التي ذكرتها في النقاط السابقة، كانت تعتمد على كون هذه الألعاب تنافسية، بحيث يكون اللاعب الخصم وأسلوبه هو ما يقدم التحد الجديد كل مرة، لكن ماذا إن كانت اللعبة موجهة للاعب واحد؟ لعبة سوليتير ليس فيها لاعب خصم، ما يختلف هنا هو توزيعة الأوراق فقط (وهذا برمجياً شبيه بالتوليد الإجرائي قليلاً).

وسواء كانت الألعاب تنافسية أو لا، فإن الحظ أو العشوائية يمكن أن تُستخدم لتغيير طبيعة التحدي، في دوتا والشطرنج وكذلك ريفرسي، هناك تغييرات بسيطة قد تحدث، حتى في الشطرنج اللعبة التي قد تكون أكثر توازناً في العالم، هناك قليل من الحظ في أن تلعب أولاً أم ثانياً، وهذا سيؤثر بلا شك على أسلوبك. بينما في بعض الألعاب الأخرى، العشوائية أساس لنكهة اللعبة، فأنت تنظم أسلوبك الخاص في لعبة يوغي عن طريق اختيارك لبطاقاتك، لكنك لا تعلم فعلاً ماهي البطاقات التي ستسحبها وبأي ترتيب ستظهر، والنرد في المونوبولي هو حكم الموقف، وفي هذه الألعاب قد يخسر اللاعب الجيد أمام لاعب متوسط، لكن نسبة الفوز إلى الخسارة ستكون عالية لدى اللاعب الخبير. المصمم الجيد هو من يعلم كم من الحظ أو العشوائية سيستخدم في لعبته.

فكرة إضافية: توليد الخصوم باستخدام التوليد الإجرائي

في النسخ الالكترونية من ألعاب يوغي الرسمية من شركة Konami، يتغير أسلوب الذكاء الاصطناعي (الخصم) كثيراً بحسب البطاقات التي يحملها، وهذا أمر ممتاز في اللعبة، لكن مع الخبرة الطويلة ستحفظ جميع الأساليب التي يستخدمها الحاسب(بما أنها مبرمجة مسبقاً) وتصبح اللعبة مملة. فبما أن هذه الألعاب النقية تعتمد على أسلوب الخصم كثيراً فعادة ما تكون جداً مملة عند اللعب ضد الحاسب أو الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) . لكن ماذا لو قمنا بتوليد سمات شخصية (Personalities) مختلفة لهذه الشخصيات، فمثلاً في لعبة المونوبولي يمكن أن يكون هناك شخصية بخيلة في البذل، تحب السيطرة على محطات القطار، وتحاول شراء أماكن رخيصة وشخصية أخرى تشترك مع هذه الشخصية في أنها جبانة في البذل لكنها تحاول فقط شراء المناطق الثمينة (مما يعني أنها قد لا تقطع عليك مجموعة قد تجمعها كي تستطيع بذل نقودها على الأماكن مرتفعة الثمن)

لعبة Crusader Kings 2 لا تعتمد أساساً على التوليد الإجرائي، لكن الشخصيات في اللعبة لها سمات تتولد عشوائياً، وتتغير تصرفات هذه الشخصيات تبعاً لهذه السمات، فمثلاً الشخصيات الطموحة قد تحاول التآمر ضدك لتخليصك من منصبك إذا لم تتفق مع قراراتك، بعكس الشخصيات التي بطبعها دائماً راضية بالأوضاع.

ما أرمي إليه، هو أنه يمكن في الألعاب النقية التي تعتمد على تنوع أسلوب الخصم، أن تستخدم التوليد الإجرائي في توليد خصوم مختلفين، بحيث لا يمكن للاعب أن يتوقع طريقة لعب الحاسب، فتصبح هذه الألعاب أفضل وأطول عمراً عند اللعب مع الحاسب.

خلاصة

الألعاب النقية هي ألعاب تتكون من قوانين، مصادر، وأهداف. وهي ألعاب تعتمد على مبدأ ثابت بحيث يمكن تطبيق أي طابع فني عليها، أو ربما يمكن أن تُلعب بدون طابع فني أساساً.

حتى عندما كنا نلعب في المدرسة ألعاب جماعية مثل المطاردات أو الاختباء؛ لم نكن لنمل من هذه الألعاب كونها تتضمن قوانين ثابتة وتعتمد على مهارات اللاعب، اللعبة الجيدة لعبة جيدة كلعبة بحد ذاتها، الفن في الألعاب شيء جميل، وربما معظم الألعاب التي ألعبها تركز على الجانب الفني أكثر من اللعب، لا أريد أن يكون هناك لبس في الموضوع، ولكن أردت أن أشرح مبدأ اللعب كيف يتكون من أفكار تعتمد على تنمية المهارات، وكيف أنه لا يتعارض مع الجانب الفني. المقال تطرق إلى أشياء يمكن وضعها بعين الاعتبار عند التفكير بتصميم طريقة لعب جديدة (Game Play). ولم يتطرق المقال إلى كيف يمكن أن نقوم بذلك بشكل مفصل، وهو ما سأحاول أن أبحث فيه في مقالات قادمة بإذن الله.

انظر أيضاً:

شرح ExtraCredits لتصميم الخريطة في لعبة League of Legends


أعجبك المحتوى؟

تفضل بتسجيل بريدك الإلكتروني حتى  تصلك التدوينات القادمة فور نشرها في المجالات التي تهمك:

[wysija_form id=”1″]

كما نرجو منك عزيزي القاريء بأن تدعمنا بنشر هذا المحتوى على الوسط المفضل لديك من الشبكات الاجتماعية.


 

عبدالرحمن خلوف

آخر المقالات
التعليق ( 1 )
  1. boudi
    21 يناير، 2016 at 9:28 ص
    رد

    Goooooooooooooooood

‎اضف رد