تجربتي مع واركرافت

اللعب جزء مهم من حياة الإنسان بل هو جزء مهم في حياة كثير من المخلوقات، الإنسان ليس الكائن الوحيد الذي يلعب، ولديك أكثر من مليون دليل في الإنترنت، ابحث عن قطط تلعب في أي محرك بحث وستجد من النتائج ما يكفيك لتضييع أشهر في مشاهدة القطط، اللعب مهم للصغار لأنه يعلمهم كيف يعمل هذا العالم وكيف يتعاملون مع الآخرين من حولهم، يطورون مهاراتهم الاجتماعية والحركية ويجعلهم اللعب أكثر نشاطاً وسعادة ويوفر لهم روابط اجتماعية مبكرة قد تستمر مع الشخص إلى آخر عمره.

ما يحدث عندما يكبر الناس هو أن وقت اللعب ينخفض لأسباب كثيرة، لكن يبقى البعض يمارس اللعب بأسلوب آخر، الطفل الذي كان يلعب مع أقرانه لعبة “شرطي حرامي” أصبح يلعب كرة القدم أسبوعياً، لا أظن أن الكبار بإمكانهم الاستمرار في لعب أدوار الشرطة واللصوص وإن كان بعضهم يريد فعل ذلك! يستمر الناس في ممارسة الألعاب حتى عند الكبر لكن تختلف أنواع الأنشطة وتصبح أكثر أهمية من ناحية اجتماعية، لاحظ أن اللعب هو نشاط جماعي في الغالب، من الصعب أن تلعب “شرطي حرامي” لوحدك فعلى الأقل أنت بحاجة لشخص آخر، يمكنك لعب كرة القدم لوحدك لكن دائماً اللعبة أفضل مع الآخرين.

ثم لدينا ألعاب الفيديو، طبيعة ألعاب الفيديو تجعلها وسيلة مثالية لممارسة اللعب فردياً، عندما تلعب دور ماريو وتضرب الحجارة برأسك لتخرج منها العملات وتقفز على السلاحف لتقتلها فأنت لست بحاجة لشخص آخر ليلعب معك، اللعبة فردية تماماً وإن كان وجود شخص آخر يشاركك اللعبة قد يشكل نوع من التحدي الممتع، وقد حاول مصنعوا ألعاب الفيديو منذ البداية أن يجعلوا اللعب جماعياً بأشكال مختلفة، لا زلت حتى اليوم أذكر كيف كانت بعض ألعاب أتاري تشجع على أن يلعبها فردان على الأقل، ويمكن كتابة مقال طويل حول هذا الموضوع لأن التجارب لم ولن تنتهي، في رأيي نينتندو أبدعت كثيراً مع جهاز وي الذي جمع عوائل كثيرة حول الجهاز وجعلهم يمارسون الحركة والرياضة بأسلوب تنافسي رائع، ما زلت أرى Wii Sports كواحدة من أفضل ألعاب الفيديو على الإطلاق.

لكن ماذا لو أردت اللعب مع أشخاص خارج نطاق عائلتك وأصدقائك؟ ماذا لو أردت اللعب في عالم يشارك فيه العشرات أو حتى الآلاف من الناس؟ هنا يأتي دور ألعاب الشبكة، وهي ألعاب يعود تاريخها إلى أكثر من ٣٠ عاماً لكن لنبسط هذا التاريخ، يمكن أن نقول أن البداية كانت مع ألعاب MUD أو Multi User Dungeon، وهي ألعاب نصية بدأت كلعبة واحدة في بريطانيا ثم انتشرت وازدادت أنواعها ومن هذه الألعاب ظهرت ألعاب رسومية في التسعينات وهذه مهدت الطريق لألعاب شبكية رسومية تستخدم الرسومات ثلاثية الأبعاد وتحوي عالماً كبيراً يشارك فيه الملايين من الناس حول العالم.

في مقالي هذا أتحدث عن لعبة واحدة وهي وارلد أوف واركرافت (World of Warcraft)، لعبة رسومية شبكية شهيرة ولعلها الأشهر حول العالم وهي تملك أكبر عدد من المشتركين وتتراوح أعدادهم ما بين ٥ إلى ١٠ مليون مشترك حول العالم، الرقم يختلف بحسب ظروف اللعبة، عندما تطرح محتويات جديدة يرتفع الرقم مؤقتاً.

في عالم واركرافت

إن كنت تعرف ما هي هذه اللعبة فتجاوز هذا القسم من المقال، لمن لا يعرف، لعبة واركرافت هي من نوع MMO أو Massive Multiplayer Online game أي لعبة جماعية شبكية كبيرة بترجمة حرفية، الحجم هنا يشير إلى حجم اللعبة وعالمها وكذلك عدد اللاعبين، في ألعاب الشبكة يمكن للشخص أن يرى العشرات من اللاعبين الآخرين في نفس المكان، وعالم اللعبة نفسه يحتاج لوقت طويل لكي تذهب من طرف إلى الطرف الآخر، إن كنت ستمشي المسافة كلها ستحتاج لساعات طويلة لتحقيق ذلك.

في هذه اللعبة عليك أن تكون شخصيتك أولاً ثم تخوض هذا العالم، يمكنك اختيار العرق (Race) والفئة (Class) وبحسب الاختيار ستبدأ من منطقة محددة في اللعبة تسمى منطقة البداية (Starting area) ولكل عرق منطقة بداية خاصة به، هذه المنطقة مصممة لكي تعلم اللاعب أساسيات اللعبة وهي ببساطة الحديث مع شخصية في اللعبة تطلب منك فعل شيء ما، في الغالب قتل وحوش أو تجميع مواد ثم تعود لهذه الشخصية فتعطيك خبرة (Exp) ومالاً وربما سلاحاً أو جزء من الدرع الذي تلبسه، هذا ما يسمى مهمة (Quest) وهي أساس اللعبة وفي واركرافت هناك الآلاف من المهام.

الخبرة هنا ضرورية لأن تجميعها يجعل اللاعب يرتقي في المستويات، وفي لعبة واركرافت حالياً هناك ١٠٠ مستوى وكلما ارتفع مستواك زاد الوقت والجهد الذي تحتاجه للوصول لمستوى أعلى، المستويات تحدد قوة الشخصية وقدرتها على الخوض في مناطق ذات مستويات عالية، فاللعبة مقسمة إلى مناطق (Zones) وكل منطقة لها مستويات محددة، منطقة البداية غالباً من ١ إلى ٥، ثم المنطقة التي تليها من ٥ إلى ١٠، وهكذا كل منطقة تضيف من ٢ إلى ١٠ مستويات.

بحسب الفئة التي تختارها ستبدأ بمهارة واحدة أو اثنتان، المهارات (Ability) تبدأ في الغالب كمهارات قتال، لتضرب الوحوش وتقتلها، ثم بارتفاع مستواك تبدأ في اكتساب مهارات جديدة تعطيك قوة أكبر ومهارات وظيفية تعطيك القدرة على حماية نفسك أو معالجتها (Healing)، أي عندما تتلقى الضربات وتبدأ طاقتك في الانخفاض يمكنك أن تعيدها لما كانت عليه، بعض الفئات أفضل من أخرى في هذا الجانب وبعض الفئات أفضل في الجانب القتالي، عندما تصل للمستوى العاشر عليك اختيار نوع فئتك أو تخصصها، والتخصص يعطي مهارات أكثر قوة وتؤدي مهمات معينة.

حتى الآن لا يوجد شيء وصفته أعلاه يشير إلى وجود لاعبين آخرين أو حتى ضرورة وجودهم، عندما تبدأ اللعبة فأنت في الغالب ستبدأ مع أشخاص آخرين، تراهم يفعلون ما يريدون، يقتلون الوحوش، يجمعون المال والأشياء من حولهم، ينفذون المهام، يمكنك الحديث معهم، يمكنك الانضمام معهم في مجموعة وهذا يعطيك خبرة أكبر ويساعدك على إنجاز المهام بسرعة أكبر، هذا لوحده يجعل كثيرين يفضلون الألعاب الشبكية حتى لو لم يتفاعلوا مع اللاعبين الآخرين، دعني أشبه الأمر بالمقهى، تجلس في مقهى ما لتمارس القراءة مثلاً ويعجبك أن ترى أناس حولك يمارسون شيئاً ما، وجود الناس لوحده عامل مهم حتى لو لم تكلم أحدهم.

واركرافت ككثير من ألعاب الشبكة، يمكن للفرد أن يلعبها لوحده دون أي حاجة لمساعدة اللاعبين الآخرين، لكن جزء من المحتوى يحتاج لأكثر من اللاعب، مناطق تسمى القبو (Dungeon) تحوي وحوشاً لا يمكن لفرد واحد قتلها بسهولة، لذلك تحتاج للاعبين آخرين، تسمية “القبو” ليست دقيقة لكن هذه الترجمة التي اخترتها حتى أجد كلمة أفضل، لأن بعض هذه المناطق لا يمكن تسميتها بالقبو، بل قصور ومدن ومصانع! لكن هذه هي التسمية المستخدمة في ألعاب الشبكة.

اللعبة توفر كذلك محتويات مختلفة، هناك القتال مع اللاعبين الآخرين (PVP) وهذا أمر اختياري، هناك لاعبون يحبون التنافس في هذا النوع من اللعب وهناك آخرون يكرهونه وأنا من الفريق الثاني، هناك عالم كبير تستكشفه وفيه كثير من التفاصيل ومناطق جميلة وقصص صغيرة وكبيرة وشخصيات مثيرة للاهتمام وتاريخ قديم، هناك فئات عديدة وكل فئة لديها أسلوب لعب مختلف، هناك حرف وأعمال يمكن أن تمارسها كصيد السمك والخياطة وحتى الطبخ، هناك تجميع أشياء كثيرة كالمال والإنجازات ومخلوقات تركبها لتختصر عليك المسافات، يمكنك الانضمام إلى فريق من الناس يشكلون نقابة والنقابات وسيلة رائعة للتعرف على الناس والحديث معهم ومشاركة اللعبة معهم.

ببساطة أنت تعيش في عالم افتراضي، لديك شخصية تبدأ بداية صغيرة وبسيطة وعليك أن تقودها لتزداد خبرة وتكسب الأصدقاء وتجمع المال وتحقق الإنجازات وتصنع بعض الأعداء! هذا باختصار هو وصف لعبة واركرافت، ومع ذلك أجد أنه غير كاف، لأن اللعبة كبيرة حقاً وفيها كثير من الخصائص الصغيرة والكبيرة.

تاريخ واركرافت

warlords-of-draenor-851x315-facebook

تاريخ اللعبة يحتاج لمقال خاص به، لكن يجب أن أختصر، بداية اللعبة كانت في عام ١٩٩٤ عندما طرحت كلعبة فردية Warcraft: Orcs vs Humans وهي لعبة استراتيجية، عليك أن تقود جيشاً وتبني المباني لتساعدك على بناء الجيش وتقاتل الأعداء، طرحت أجزاء من اللعبة وكل جزء فيه شيء من قصة تشكل عالماً سيكون أساساً للعبة واركراف الشبكية، وفي الجزء الثالث من اللعبة بدأت بليزارد – الشركة المطورة لألعاب واركرافت – في استخدام اللعبة نفسها لرواية قصة، حوارات بين شخصيات اللعبة تشرح أسباب ودوافع كل شخصية ولم عليك فعل هذا أو ذاك، هذه أضافت أجزاء مهمة من تاريخ عالم اللعبة وكلها ستكون أساساً للعبة واركرافت الشبكية.

أُعلن عن عالم واركرافت كلعبة شبكية في عام ٢٠٠١ واستمر تطويرها إلى أن طُرحت في نوفمبر من عام ٢٠٠٤، هناك فصيلين أحدهما يسمى ألاينس (Alliance) والآخر هورد (Horde) وكلاهما يكن العداوة للآخر، كل فصيل يحوي ٤ أعراق ويمكن اختيار واحد من ٩ فئات (Class) كالصياد، الساحر، المقاتل .. إلخ، هناك ٦٠ مستوى و١٢ وظيفة و١٦ قبواً (dungeon)، وأُضيفت المزيد من المحتويات في عامي ٢٠٠٥ و٢٠٠٦، اللعبة تتطلب اشتراكاً وأن تشتري اللعبة نفسها لكن المحتويات المضافة لاحقاً تكون مجانية.

الاستثناء هي التوسعات أو الإضافات الكبيرة (expansion) وفي عالم واركرافت هناك حتى اليوم خمس توسعات كبيرة:

  • في ٢٠٠٧ طرحت التوسعة The Burning Crusade، أضيف كوكب آخر لعالم واركرافت يحوي مجموعة من المناطق الجديدة، وظيفة جديدة ومحتويات جديدة وأضيفت ١٠ مستويات، عرقان جديدان، واحد لكل فصيل، القصة تذهب لعالم آخر لتلاحق شخصية رئيسية ظهرت في لعبة سابقة من السلسلة.
  • في ٢٠٠٨ طرحت توسعة The Wrath of the Lich King وهي من أشهر التوسعات على الإطلاق وكثير من اللاعبين القدامى يعتبرونها أفضل توسعة، ومرة أخرى القصة تلاحق شخصية ظهرت في لعبة سابقة من السلسلة، المستويات أضيف لها ١٠ أخرى ليصبح هناك ٨٠ مستوى وهناك فئة جديدة تسمى فارس الموت (Death Knight) ولهذه الفئة منطقة بداية خاصة وهم يبدأون من مستوى ٥٥ مباشرة بدلاً من المستوى الأول.
  • في ٢٠١٠ طرحت إضافة Cataclysm، أضيفت ٥ مستويات، هناك عرقان جديدان، واحد لكل فصيل، أضيفت وظيفة جديدة إلى اللعبة وهي التنقيب عن الآثار، مزيد من المحتويات من كل نوع وتغييرات كثيرة، هذه التوسعة يتفق كثيرون على أنها الأسوأ وقد تسببت في تخفيض عدد المشتركين في اللعبة.
  • في ٢٠١٢ طرح توسعة Mists of Pandaria وهي تضيف قارة جديدة وعرق جديد وكذلك فئة جديدة، العرق هو دب الباندا! وهو عرق محايد في مستوياته الأولى لكن عليه اختيار أحد الفصيلين لاحقاً، والفئة الجديدة هي الراهب أو الناسك (Monk)، مقاتل يستخدم فنون القتال الصينية! كذلك أضيفت لعبة جانبية حيث تجمع المخلوقات (pets) وتدخل في منافسة مع شخصيات في اللعبة أو مع لاعبين آخرين، هي لعبة مثل بوكيمون لكن مصغرة.
  • في ٢٠١٤ طرحت التوسعة الأخيرة وهي Warlord of Draenor، البعض يعتبرها التوسعة الأسوأ نظراً لقلة المحتويات وإضافة خصائص جديدة جعلت اللاعبين أقل تفاعلاً مع بعضهم البعض، أضيف كوكب جديد وهو نفس الكوكب من إضافة The Burning Crusde لكن في فترة زمنية مختلفة بل وفي كون مختلف.
  • في أغسطس ٢٠١٥ أعلن عن التوسعة القادمة واسمها Legion ومن التفاصيل التي أعلن عنها يبدو أنها توسعة رائعة.

هذا مختصر تاريخ اللعبة، ألعاب الشبكة تختلف عن الألعاب الفردية في كونها تشكل عالماً حياً يستمر في التطور، الألعاب الفردية يطورها فريق من المبرمجين والرسامين وغيرهم في أعوام ثم تطرح في السوق ليستمتع بها الناس لفترة ثم ينتهي أمرها، قد يكون هناك جزء ثاني من اللعبة وقد لا يكون، لكن اللعبة نفسها تفقد قيمتها بعد تجربتها لمرة واحدة أو بضع مرات، على عكس ألعاب الشبكة التي تجبر على أن تقدم محتويات جديدة باستمرار لكي تبقي اللاعبين مرتبطين باللعبة، عدم إضافة محتويات جديدة أو إضافة القليل منها أو تغيير اللعبة إلى الأسوأ سيؤدي إلى رحيل بعض اللاعبين أو الكثير منهم.

تجربتي مع واركرافت وأفكار متفرقة

udon-thousand-needles-851x315-facebook

أعرف واركرافت منذ البداية، منذ منتصف التسعينات لكن لم أكن اهتم بها لأنني لا أحب الألعاب الاستراتيجية، وفي عام ٢٠٠٤ وعندما أعلن عن اللعبة الشبكية لأول مرة قرأت عنها في مجلات ومواقع وزرت موقع اللعبة نفسها، في ذلك الوقت كانت اللعبة شيء غامض وسحري، ولم أكن أستطيع تبرير دفع اشتراك شهري للانضمام إلى اللعبة، وسائل الدفع الإلكترونية كانت محدودة جداً في ذلك الوقت، لكن بليزارد وفرت بطاقات اشتراك يمكن شرائها في المحلات ولا زالت متوفرة حتى اليوم، ومع ذلك لم اشترك، لاحقاً أخي اشترك في اللعبة واكتفيت بمشاهدته يلعبها لسنوات.

في منتصف ٢٠١٤ قررت المشاركة في اللعبة، جزء مني كان يتجنب اللعبة لأنني أعرف جيداً أنني سأدمن عليها وهذا ما حدث، وجدت متعة كبيرة في اللعبة وقد كانت تجربتي الأولى مع أي لعبة شبكية من هذا الحجم، وقد كانت الأسابيع الأولى عجيبة حقاً لأنني أخيراً أجرب هذا العالم السحري الذي كنت أتخيل لسنوات طويلة أنني سأشارك فيه يوماً ما، وكالعادة، الدرس يتكرر: الخيال أفضل من الواقع، والدرس الآخر: لا تلتقي بأبطالك!

هناك أشياء في حياتنا يفترض أن نبقيها بعيداً عنا، لأننا عندما نقترب ونتعرف عليها نفقد السحر الذي جذبنا إليها، مثلاً فكرة شراء سيارة رياضية تبدو رائعة في الخيال لكن ما إن تشتريها وتستمتع بها لأيام حتى تفقد المتعة التي دفعتك لشراء السيارة، لذلك أقول أن الخيال أفضل من الواقع، فكرة أنك ستشتري السيارة خير من شرائها فعلياً! هذا ما أؤمن به، هناك بالطبع أناس لديهم شغف عميق لبعض الأشياء، فمثلاً هناك أناس لديهم شغف بالسيارات وشراء سيارة رياضية تعجبهم لن يزيدهم إلا شغفاً، أنا لست واحداً منهم.

مع إكمالي لعام مع لعبة واركرافت الشبكية بدأت أشكل أفكاراً عن اللعبة وعن سلبياتها، لا أعني هنا أنني أرى الجانب السيء فقط وأتجاهل الجيد، لكن ما أود فعله هنا هو الحديث عن بعض المشاكل التي تواجهها الألعاب الشبكية، على أمل أن أقدم فائدة ولو قليلة لأي مصمم ألعاب عربي، لدي رغبة في أن أرى لعبة فيديو شبكية عربية، أي أنها موجهة للعرب وكذلك مصممة على أساس الثقافة العربية، لكن هذا موضوع آخر، ومن يدري ربما فرصة لمقال آخر.

هناك نوعان من ألعاب الفيديو سواء الفردية أو الشبكية، هناك ما يسمى Theme Park أو حديقة الملاهي، وهناك Sandbox أو صندوق الرمل، ألعاب حديقة الملاهي هي ألعاب خطية، لها بداية محددة ونهاية محددة وطريق محدد تسير عليه اللعبة، اللاعب ليس لديه كثير من الخيارات، ألعاب صندوق الرمل هي ألعاب حرة، اللعبة توفر أنظمة وخصائص مختلفة وعلى اللاعب أن يختار ما يفعله بوقته في اللعبة، أبرز مثال على هذا النوع من الألعاب هي لعبة ماينكرافت، اللعبة ليس لها هدف نهائي، افعل ما تشاء، يمكنك صنع بيت صغير أو قلعة كبيرة، يمكنك زراعة حديقة صغيرة أو تصميم مصنع زراعة يزرع الحقول ويجمع المحاصيل دون تدخل كبير منك، يمكنك اكتشاف العالم في أي جهة والسفر لأي مكان، القرار بيدك.

واركرافت هي لعبة من نوع حديقة الملاهي أكثر مما هي لعبة صندوق رمل، خصوصاً في بداية اللعبة عندما تبدأ من أول مستوى، لكون شخصيتك ضعيفة في هذا المستوى لا يمكنك فعل الكثير، خياراتك محدودة بالمهمات التي يجب إنجازها لكي يرتفع مستواك، وعليك أن تفعل هذا إلى أن تصل إلى مستوى ١٥ وهنا يمكنك إضافة نوع آخر من المحتوى، وهذا أمر رائع لمن يلعب لأول مرة، لكن مع تكرار إنشاء شخصيات جديدة يصبح الأمر مملاً لأن الخيارات محدودة حقاً.

بسبب نظام المستويات هذا لا يمكنك أن تقفز مباشرة إلى جزء من القصة فوق مستواك، القصة خطية وتتبع مساراً محدداً، وحتى مع وجود خيارات لا زالت هذه الخيارات قليلة ومتكررة، والمستويات تؤثر على كل شيء آخر، لا يمكنك مثلاً الدخول لمنطقة (Dungeon) إن كنت دون المستوى المطلوب، لا يمكنك تصنيع شيء إن كنت دون المستوى المطلوب، هكذا تشجع اللعبة اللاعبين على السير في مسارات محددة بل وتشجعهم على تجاوز معظم المحتوى للوصول لآخر المحتويات حيث التحدي الفعلي هناك، وهذا مؤسف لأن واركرافت عالم كبير ومعظمه محتويات قديمة.

هذه سلبية أخرى، مثلاً لدي شخصية وصلت لآخر مستوى وهو ١٠٠، وكل المهن في هذه الشخصية وصلت كذلك لآخر مستوى، لا يوجد سبب يشجعني على العودة إلى مناطق قديمة لأن كل المحتوى القديم لا يقدم مكافئة مقابل اللعب فيه، لأنه لا يوجد رابط بين المحتوى القديم وآخر محتويات طُرحت، اللعبة مُقسمة بحسب التوسعات التي طُرحت والربط بين التوسعات قليل بل يكاد يكون معدوماً، وبسبب المستويات ورغبة اللاعبين في تجاوزها، وضعت بليزارد نفسها طرقاً تساعد اللاعبين على تخطي المستويات بسرعة، بل هناك خدمة مقابل مبلغ مالي ترفع مستوى اللاعب إلى ٩٠ لكي يدخل مباشرة في محتويات آخر توسعة، وهذا قد يكون حسناً لمن يعرف اللعبة جيداً، لكن اللاعب الجديد يتجاوز معظم المحتويات دون أن يعرف شيئاً عن قصة اللعبة وقصصها الجانبية وعالمها الكبير الذي يستحق الاستكشاف.

ثم هناك تركيز كبير على ما يسمى نهاية اللعبة (End Game) وهو في الغالب محتوى جماعي يتطلب عدداً من اللاعبين يتراوح ما بين ١٠ إلى ٢٥، يذهب هؤلاء إلى منطقة تسمى Raid ولا أدري كيف أترجمها، المهم هذه المنطقة تحوي أصعب التحديات من ناحية الأعداء الذين يجب أن تقاتلهم وهي كذلك تعطي اللاعبين أفضل العوائد من ناحية الأسلحة والدروع والمنجزات وغير ذلك، لكن هذا النوع من المحتوى يتطلب استثماراً للوقت لا يمكله كثيرون، ولا بأس بذلك، لا أرى مشكلة في تصميم محتوى صعب موجه لفئة من اللاعبين يحبون هذا التحدي، المشكلة في عدم وجود محتوى موجه لمن ليس لديه اهتمام بهذا النوع من المحتويات.

عندما تصل لآخر مستوى وتنجز كل المهام المتوفرة لا يوجد الكثير لتفعله إلا أن تعود للمحتوى القديم لتنجزه إن لم تفعل ذلك، والمحتوى القديم سيكون خالياً من أي تحدي لأنك في مستوى ١٠٠ والأعداء في مستوى ٢٠ مثلاً ويمكنك قتل العشرات منهم بضربة واحدة، بل يمكنك الوقوف بينهم لساعة دون أن يضرك ذلك، لا توجد طريقة لتغيير مستواك ليصبح بمثل مستوى المنطقة التي أنت فيها ويصبح المحتوى فيه شيء من التحدي، كذلك المحتوى الجديد ليس فيه طريقة تجعله ينتج مهام جديدة وجوائز قيمة، هناك بعض المهام المتكررة يومياً لكن من الاسم تعرف أنها ستصبح مملة بعد تكرارها بضع مرات.

ثم هناك ما يسمى الطحن! (grind) وهو الحاجة لفعل شيء ما مرات عديدة للوصول إلى هدف ما، مثلاً عليك أن تقتل الآلاف من الأعداء لتكتسب سُمعة حسنة مع فريق من الناس، هذا الفريق يبيع أشياء تريدها ولكي تشتريها لابد من اكتساب سُمعة حسنة معهم، اللعبة توفر طرقاً مختلفة لاكتساب هذه السُمعة لكن في بعض الأحيان ليس هناك طريقة سوى أن تقتل الآلاف من الأعداء وتستمر في فعل ذلك لأسابيع وأشهر، هذا النوع من اللعب قد يكون مُسلياً للبعض لكنه للأكثرية أمر لا يريدون فعله.

وهناك مشكلة العشوائية أو ما يسمى بالإنجليزية Random Number Generator، مثلاً لنقل أن هناك عدو ما تحتاج لقتله لكي تحصل على حصان جميل، لكن نسبة حصولك على هذا الحصان لا تتجاوز ٠,٢٪، وهذا قد يعني أن تحاول ٢٠٠ مرة دون أي فائدة، وقد رأيت من جرب مثلاً أكثر من ٣٠٠ مرة للحصول على شيء ولم يحصل عليه، هذا بسبب العشوائية RNG، الهدف من العشوائية هي ألا يصبح المحتوى سهلاً جداً وتدخل فيه نوعاً من التحدي وهذا امر لا بأس به، لكن عندما يزداد الأمر عن حده يصبح مملاً جداً بل ومثيراً للغضب، البعض توقف عن المحاولة للحصول على أشياء يتمنونها لأنهم حاولوا كثيراً، هذه العشوائية لا تعاني منها لعبة واركرافت لوحدها بل كثير من ألعاب الشبكة، وهي في رأيي عامل سلبي يجب أن يستبدل بأسلوب آخر يكافئ من اجتهد، مع كل محاولة يجب أن ترتفع النسبة لتصبح قابلية الحصول على مكافئة أعلى.

نظام المهمات (Quests) يحتاج لإعادة تصميم من نواحٍ مختلفة، التصميم الحالي يعطي اللاعب خيارات قليلة، اذهب إلى هذا الشخص وخذ منه مهمة أو اثنتين، نفذ المهمات وعد، اذهب لشخص آخر وخذ منه المهمات وأنجزها وعد، وهكذا تستمر السلسلة دون انقطاع، لكن ماذا لو صممنا نظام محتويات يدور حول القصص، مثلاً أريد أن أعرف قصة شخص أو حدث ما فأطلب من اللعبة أن أبدأ مهمات تتعلق بقصة ما، المهمات يجب أن تقودني عبر منطقة أو أكثر لكي تخبرني قصة ما من أولها لآخرها دون أي انقطاع لأي شيء آخر، ويفترض أن يكون هناك مكافئة في النهاية، القصص قد تكون قصيرة وصغيرة وربما فكاهية أو كبيرة وملحمية وتراجيدية.

خذ على سبيل المثال ألعاب زيلدا وهي سلسلة الألعاب المفضلة لدي، اللاعب عليه أن يتكلم مع شخصيات القصة لكي يفهم ما يجب عليه فعله، لا أحد يعطيه مهمة إلا نادراً، ومن الكلام مع الآخرين يذهب لأماكن مختلفة ويؤدي طلبات مختلفة، الجميل في اللعبة أنها قصة مُحكمة مفهومة تعيشها بتفاصيلها وأنت جزء منها، هذا ما أفقده في لعبة واركرافت.

وقد كان في لعبة واركرافت مهمات بحسب الفئات، مثلاً هناك فئة Warlock لها مجموعة من سلسلة مهام طويلة للحصول على حصان ناري، وفي توسعة لاحقة هناك سلسلة مهام صعبة حقاً للحصول على نار خضراء! الجائزة في النهاية هي شكلية لكنها كانت أكثر من كافية لكثير من اللاعبين لكي يجدوا فيها متعة وهي علامة للآخرين أن هذا اللاعب أنجز مهمة صعبة، اللعبة بحاجة للمزيد من هذه المهام الصعبة ولكل الفئات بل ولكل الأعراق كذلك، كل عرق لديه قصة وتاريخ وللأسف ليس هناك الكثير في اللعبة لكي يخبر اللاعبين عن هذا التاريخ.

أخيراً هناك التصنيع والوظائف، بسبب تصميم اللعبة وبسبب المستويات التي تتطلبها الوظائف والتصنيع، هذا الجزء من اللعبة خطي كذلك، إن كنت في مستوى ١٠٠ فما الحاجة للعودة إلى مناطق قديمة لتصنع شيئاً لن يفيدك؟ وإن كنت في مستوى ١٠٠ ولم ترفع مستويات التصنيع فمن المستحيل أن تصنع شيئاً لمستوى أعلى ما لم تمارس “الطحن” وترفع مستوى التصنيع والوظائف، آخر توسعة من اللعبة عالجت المشكلة جزئياً وهناك تلميح بأن نظام التصنيع سيُعاد تصميمه ليحل كثير من مشاكله.

شخصياً أرى أن نظام التصنيع والوظائف يجب أن تكون لعبة منفصلة تماماً عن المستويات، ما المشكلة لو أراد لاعب أن يمارس دور الصياد والطباخ مثلاً؟ لا يجب أن يلعب الجميع بنفس الشكل، هناك المقاتل والمدافع فلم لا يكون هناك المصنّع والبائع والتاجر؟ لعب هذه الأدوار سيضيف بعداً جديداً إلى اللعبة وهي فكرة قديمة وطبقتها بعض الألعاب منذ سنوات، بل كانت هناك لعبة تعتمد كلياً على اقتصاد اللاعبين، اللاعبون هم من يصنعون الأسلحة والدروع وأشياء أخرى وهم يمارسون البيع والشراء وكل مصنع وتاجر يحاول بناء سُمعة تعتمد على الجودة والخدمة الجيدة.

الألعاب الشبكية هي عالم حي ويفترض أن هذا العالم يقدم خيارات كثيرة لأنواع كثيرة من اللعب، واركرافت تقدم الكثير من المحتوى لكنه محتوى خطي وخياراته قليلة، مع ذلك هي اللعبة الشبكية الأشهر حول العالم.

 

ملاحظة: جميع الصور مصدرها شركة بليزارد.

عبدالله المهيري

آخر المقالات
‎اضف رد