هل ريادة المشاريع التقنية تشترط المعرفة التقنية ؟

هل ريادة المشاريع التقنية تشترط المعرفة التقنية ؟

صورة مملوكة لموقع tech.co

تخيل معي أن شخصاََ ما أراد صنع سرير خشبي، من المفروض أن يكون هذا الشخص نجاراََ أو على الأقل يمتلك المهارات الأساسية للنجارة ليتمكن من تحقيق المطلوب. فإذا أخذنا هذا المثال وقمنا بإسقاطه على المشاريع التقنية فالنتيجة ستكون أنه لابد من أن يكون صاحب المشروع ملماََ بالجانب التقني من مشروعه سواءاََ كان لغة برمجة أو منصة تطوير أو هندسة إلكترونيات أو تصميم..إلخ. ولو نظرنا في واقع الشركات الرائدة حالياً لوجدنا أن السواد الأعظم منها يكون فيه رائد المشروع صاحب خلفية تقنية. كمثال، غوغل (Google) ، ياهو (Yahoo) ، فيسبوك (Facebook) ، تويتر (Twitter) ، مايكروسوفت (Microsoft) والكثير من الشركات الأخرى يكون فيها صاحب الفكرة ومنفذ المشروع مبرمجاً. أظن أنك إستوعبت الفكرة العامة! ومنه ستكون الإجابة على السؤال الذي في العنوان هي “نعم”.

المشاريع التقنية ليست لأي أحد؟

هل يعني هذا أن الشخص الذي درس الإقتصاد أو الحقوق أو الطب أو لم يدرس في الجامعة أبداً عليه أن يبتعد عن المشاريع التقنية وأن يجلس ويشاهد المبرمجين يكتسحون العالم ؟ قطعاً “لا” و لا تقل أنني أناقض الكلام الذي ورد في الفقرة السابقة، بالتأكيد أن أي مشروع تقني يحتاج لعلم و معرفة فلا يعقل أن تبني مشروعاََ بالجهل لكن هذا لا يعني أن يكون مؤسس المشروع (Founder) ملماً بكافة التفاصيل التقنية وكمثال على ذلك خذ ستيف جوبز (Steve Jobs) الذي لم يكن مبرمجاً ولم يكتب أي سطر برمجي خلال 35 سنة قضاها في شركة أبل، زميله ستيف ووزنياك هو من فعل ذلك وهو من طور أنظمة ماكنتوش في حين أن ستيف جوبز هو من قاد شركة آبل و هو من وضع مساراََ للشركة و هو من أعادها للواجهة بعد تراجعها في تسعينات القرن الماضي.

tech innovators

صورة مملوكة لموقع www.law.harvard.edu

هل أصحاب الخلفية التقنية لهم أفضلية في نجاح المشاريع ؟

إذا كنت لا تعلم إلى أي مدى بلغت التكنولوجيا فلن تعرف ما بإمكانك صناعته. كيف ستعرف اذا كانت فكرتك جديدة ؟ كيف ستعرف إذا كان الناس سيعجبون بمنتجك ؟ هل تعتقد أن بيل غيتس لو لم يكن يعرف كيف تعمل الحواسيب هل كان سيراهن على كسب ملايين الدولارات من خلال كتابة البرامج ؟ و حتى إذا كنت تتمتع بخبرة في التسيير أو التسويق أو رفع المبيعات أو إدارة الشركات فكلها لن تفيدك في إنجاح المشروع على الأقل في إنطلاقته لأن المشروع لم يصر عملاََ بعد لكنه لا يزال فكرة يمكن أن تنجح كما يمكنها أن لا تنجح و المعيار هنا هو مدى قبولها من طرف الزبائن.

لكن في مقابل هذا نستطيع أن نقول أن الخلفية التقنية يمكن أن تعوضها الثقافة التقنية أي أنك لن تحتاج إلى معرفة كل التفاصيل التقنية حتى تعرف ماذا يريد السوق، كمثال لو كنت أحد المهووسين بأجهزة و ألعاب الفيديو و طلبت منك أن تبدي رأيك في جهاز ألعاب ما فبالتأكيد أنك ستخبرني أنه أعجبك كذا و كذا لكن الجهاز ينقصه أمر معين. أيضا بإمكانك أن تضع مقارنة بين جهازي ألعاب و تبين لي عيوب و محاسن كل منهما. ستفعل كل هذا رغم أنك لا تعلم ماذا يوجد داخل الجهاز من عتاد و برمجيات. هذا ما أقصد بالثقافة التقنية و أعتقد أنها كافية لتجعل رائد الأعمال يدرك ماذا يريده السوق و هل فكرة المشروع مقبولة أو لا.

الفكرة وحدها لا تكفي !

لا يمكن إنكار أهمية الفكرة فهي بذرة المشروع التي ستنطلق منها و تحولها إلى واقع لكن أحد الأخطاء الشائعة لدى رواد الأعمال الجدد هو الإعتماد على الفكرة أكثر من اللازم فتجد أن صاحب المشروع يعتقد أن فكرته المجردة ستجلب له داعمين أو مستثمرين، يوجد مثل شائع في عالم ريادة المشاريع يقول (If you build it, they will come)، يعني أنه يجب عليك عمل نموذج أولي (Prototype) لمشروعك حتى توجه إليه أنظار المستثمرين أو أن تكون لك خطة عمل (Business plan) مقنعة مصاحبة لفكرتك أو على الأقل تصور واضح للخطوات التي ستمر بها خلال تنفيذك للمشروع و كذلك توقُع للمشاكل اللتي ستعترض طريق المشروع و وضع حلول فرضية لها.

founder Vs co-founder

خبرة شخصية أو شريك ذو خبرة

إذا كنت ستقوم ببناء مشروع يحتاج إلى لغة برمجة معينة فهل يجب أن تتقنها من أجل بناء مشروعك ؟ سيكون أمراً رائعاََ لكن تخيل مقدار الوقت الذي ستهدره أثناء تعلمك لهذه اللغة وربما لو استغللته في شيء آخر لكان أفضل. أنا أعتقد أنه من الضروري على أصحاب المشاريع التقنية تحديث معلوماتهم بإستمرار، فمثلاً أن تكون لديك فكرة عامة عن أهم لغات البرمجة المنتشرة وأي المنصات التطويرية أشهر وأي أنظمة إدارة المحتوى مناسبة لك. هذا سيساعد كثيراً في التواصل بينك وبين فريق العمل.
أيضاً البحث على شريك تأسيس (Co-founder) تثق فيه و يكون متحمساََ للمشروع وله مهارات تقنية سيكون أمراً رائعاً حيث سيغطي ضعفك في الجانب التقني وسيختصر عليك الكثير من الوقت مما يؤدي إلى حصول نوع من التوازن بين جانب التطوير و جانب التسيير. حتى أن ستيف جوبز لم يؤسس شركة آبل وحده بل كان معه شريكه ستيف ووزنياك وربما لم تكن شركة آبل لتصل إلى ما وصلت إليه لولا الثنائي ستيف ستيف. كذلك نِك سوينمرن (Nick Swinmurn) مؤسس موقع الملابس الشهير Zappos لم تكن له أي معرفة بتطوير المواقع لأنه تخصص في صناعة الأفلام لكن شريكه توني شيه (Tony Hsieh) كان مبرمجاً من الطراز الأول.

هل تعيين عامل حر/مبرمج حر (Freelancer) سيغطي العجز التقني  ؟

نعم، تعيين شخص آخر يتمتع بالخبرة في الأمور التقنية يبدو أمراً جيداً، و لا أقصد تعيين شريك تأسيس (Co-founder) لأن العامل الحر ستحدد له أنت مجموعة من المهام ليقوم بها في فترة محددة بمقابل مادي ثم ينتهي عمله. لكن أين هو التحدي في ذلك ؟ ثم هل تقبل أن يحقق حلمك شخص آخر ؟ ربما العامل الإيجابي الوحيد في تعيين عامل حر هو ربح الوقت لأنه سيكون ملزماََ بإتمام العمل في مدة محددة لكن تقابله سلبيات أخرى من بينها أن العامل الحر يمكن أن يترك المشروع في أي لحظة بسبب الملل أو عدم التواصل بينك و بينه أو ربما سيسرِق الفكرة ليقوم بتحويلها إلى مشروع بإسمه كما حدث في قصة التوأمين وينكلفوس (Winklevoss). لذلك تعيين (Freelancer) يمكن أن يكون مفيداً لإنهاء مهام محددة لكن أن تضع مشروعك كاملاً بين يديه فهذا أمر لا ينصح به.

founder

صورة مملوكة لمجلة فوربز forbes.com

السوق يحتاج رجل أعمال

من جهة أخرى، توفر مهارتي الإدارة و التسويق في عالم ريادة المشاريع التقنية يعتبر أمر حاسم في نجاح أو فشل المشروع. الكثير من المشاريع فشلت وإختفت بسبب أن أصحابها لم يقدروا على قيادة فريق العمل أو على مواجهة تحديات السوق رغم أنهم ذوي خلفيات تقنية ، أيضاً قد يضطر صاحب المشروع لعرض مشروعه للبيع أو لبيع جزء منه من أجل تحقيق عائد مالي لا يساوي قيمة المشروع الحقيقة لأنه يعتقد أنه لا يستطيع التحكم في المشروع مستقبلاً فتستحوذ عليه شركات أخرى. الحقيقة هي أنك لا تحتاج أن تكون مبرمجاً حتى تقود فريقك لبناء المشروع أو أن تسوق لمنتجك. حتى أن كثيراً من أصحاب المشاريع الناجحة يلجأون إلى تعيين مسييرين ومديرين لا علاقة لهم بالجانب التقني فقط لأن لهم رؤية نافذة وقدرة كبيرة على حل المشاكل و تحمل ظغوطات العمل.
الكثير من رواد المشاريع التقنية الناجحة يؤكدون على أن مهارات القيادة والإدارة وتقنيات التسويق أهم بكثير من المهارات التقنية، ديفيد روز (David S.Rose) أحد أكبر المستثمرين في عالم ريادة الأعمال و صاحب مجموعة من المشاريع من بينها مشروع Gust يقول: “ريادة الأعمال لا تعتمد على مهارة واحدة فقط، إنما هي مزيج من الرؤية والحماس والقيادة والإلتزام ومهارات التواصل وقليل من الجنون وقبل كل شيء الإستعداد لتحمل المخاطر.”

خمس صفات يجب أن تتوفر في رواد المشاريع

1- الشغف و التحمس للفكرة

إذا كنت تريد الإنطلاق في مشروع فقط من أجل تحقيق عائد مالي فتوقف حالاََ. حقيقة لا يمكن إنكارها هي أن المال يمكن أن يكون حافزاً، لكن هذا الحافز لن يساعدك خلال الأوقات العصيبة في مشروعك. شغفك بفكرتك يمنعك من الوقوع في الملل ويمكنك من وضع خطط وإستراتيجيات طويلة الأمد.

2- القدرة على التواصل مع المطورين التقنيين

رغم أن الخبرة التقنية يمكن الإستغناء عنها بالنسبة لأصحاب المشاريع إلا أن مهارة التواصل مع أفراد الفريق الآخرين أمر ضروري من أجل السير الصحيح للمشروع، أن تكلم المطورين بلغتهم و تجعلهم يشعرون أنك تفهم ما يقومون به سيكون أمراً رائعاً و سيحترمونك أكثر.

3- القدرة على تبسيط الفكرة

مهما كانت فكرة المشروع صعبة ومعقدة يجب عليك أن تجد طريقة لجعلها بسيطة و مفهومة، المستثمرون لا يهمهم التفاصيل التقنية بقدر ما يهمهم العائد المالي، المستهلك كذلك يحب المنتج البسيط والفعال الذي يراه أمامه و يتعامل معه بسهولة.

4- القدرة على التحليل و فهم الواقع

أن تكون على دراية بقدرات منتجك و ما يمكن أن تقدمه للفئة المهتمة به أمر لا بد منه، كذلك مهارات الإدارة والتسيير و حسن التصرف مع المشاكل أمور لا علاقة لها بالتقنية يجب أن تتوفر في رواد الأعمال.

5- الرغبة في التعلم المستمر

ليست فكرة سيئة أن تبدأ في تعلم لغة برمجة أو منصة تطوير أو ما يناسب مشاريعك، لا تجعل هذا يؤثر على مشروعك الأساسي لكن سيكون أمراً مفيداً جداً في المستقبل، سيفيدك في تحديث منتجك و التواصل مع فريقك كما سيسهل عليك تنفيذ أفكارك المجنونة.

حقق حلمك

في الأخير أود أن  أقول أن هدفي من هذه التدوينة ليس تبيين عوامل النجاح في ريادة المشاريع التقنية ولكن هي محاولة لإزالة أحد الأوهام الذي سيطر على عقول الكثيرين وهو أن تحقيق الأهداف لا يحرزه إلا العباقرة. لو نظرنا إلى التاريخ لوجدنا أن جل العظماء كانوا أناساً عاديين بل أن كثيراً منهم فشل في مجالات أخرى. ثوماس إديسون مثلاََ فشل قرابة ألف مرة قبل أن يصل إلى إختراع المصباح الكهربائي الذي أكتب لكم هذه الكلمات وأنا مطفئه 🙂 ، العظماء أيضاََ يحملون أحلام اليقظة لكن الفرق بينهم و بين الناس العاديين أن لديهم القدرة و الإرادة والتصميم على تحويل تلك الأحلام إلى واقع ملموس و إبراز أفكار العقل الباطن إلى شيء يراه الناس.

المصادر: [1] ، [2] ، [3]

أعجبك المحتوى؟

تفضل بتسجيل بريدك الإلكتروني حتى نرسل لك التدوينات القادمة فور نشرها في المجالات التي تهمك:

[wysija_form id=”1″]

كما نرجو منك عزيزي القاريء بأن تدعمنا بنشر هذا المحتوى على الوسط المفضل لديك من الشبكات الاجتماعية بالأسفل:

هيثم

آخر المقالات
التعليقات ( 7 )
  1. إيهاب قريبة
    26 أبريل، 2014 at 9:38 م
    رد

    حقيقة وبدون مجاملة من أجمل ما قرأت في الموقع يا أخ هيثم ^_^

  2. Mo7ammed Ala7lasi
    27 أبريل، 2014 at 6:55 م
    رد

    اشكر الكاتب جداً لأن الموضوع راق لي كثيراً !
    وانا قد أكون من هؤلاء الذين يبحثون عن النجاح عبر موقع تقني !
    فـ يوجد برأسي فكرة خياليه لموقع ، ولكن مازلت أبحث من حولي من سيساعدني في عمله !
    فمن الصعب أن أقوم بالإستعانه بـ تقنيين من دول اخرى ، كون اني اخاف من سرقة الفكره !
    فما هو الحل برأيك اخي إن كنت أنت مكاني ، وتملك فكرة موقع نسبة نجاحه 80% واكثر !
    ولكنك لا تملك الخبره لتكوينه والبدء فيه ، ولا تملك مُجتمع يدعمك في المواصله به
    ولا تثق في شخص من دولة أخرى أن تأتمنه على الفكرة ، وذلك بسبب الخوف من سرقة الفكره !

    • هيثم
      27 أبريل، 2014 at 8:26 م
      رد

      أخي تفائل و لا تغلق كل الأبواب، أنا متأكد أن كل الدول العربية فيها مبرمجين ممتازين و بالإمكان الثقة بهم، حاول أن تجد شخص مناسب لك و يؤمن بفكرتك . ابحث في المنتديات العربية،ابحث بين طلاب الجامعات، أيضا ربما موقعك لا يحتاج إلى برمجة خاصة فيمكنك العمل بإحدى أنظمة إدارة المحتوى كالووردبريس أو جوملا فهي سهلة و ممتعة. رغم هذا يمكنك الإستعانة بمواقع freelance الأجنبية اذا كنت مستعد لدفع بعض المال مقابل خدمات البرمجة.
      أيضا انصحك بتخصيص وقت لدراسة تقنيات تطوير الويب و ادارى المواقع و ما يتعلق بها، و لا تنس شراء اسم نطاق مناسب لفكرتك و سجله بإسمك.
      بالتوفيق

  3. أبو فايز العبسي
    29 أبريل، 2014 at 7:33 م
    رد

    مقال رائع جدا
    أشكرك أخي هيثم على هذا الفهم للواقع التقني

    أتمنى تطبيق هذه الفكرة على جميع المشاريع وليست فقط المشاريع التقنية ، فنحن هنا في الوطن العربي تسيطر علينا فكرة أن من يدير مصلحة معينة يجب أن يكون لديه نفس التخصص كالتعليم مثلا والوزارات

    نحن نحتاج قادة وإداريين متخصصين في التنمية البشرية وليس علماء يقودون مجموعة دون أن يكون لديهم أدنى فكرة عن كيفية إدارة الموارد البشرية .

    تقبل تحياتي

    • هيثم
      3 مايو، 2014 at 7:41 م
      رد

      كلامك صحيح أخي، لكن إذا كان القائد أو الإداري ليست له أي علاقة بجانب التطوير فهذا أيضاََ مشكل.

      القيادة و المعرفة

      أظن هكذا سيحل المشكل .

  4. رشيد
    3 مايو، 2014 at 3:04 م
    رد

    السلام عليكم
    بوركت على الموضوع القيّم.. كنت أطمع بعرض نماذج عربية معروفة..

    حياكم الله

    • هيثم
      3 مايو، 2014 at 7:31 م
      رد

      المشاريع العربية التقنية للأسف قليلة جدا، لكن الحمد لله يوجد وعي عربي و نهضة إن شاء الله.

      فريق Integreight و مشروع 1Sheeld

‎اضف رد