[قصة نجاح] كم يربح المطوّر المستقل من الألعاب؟ -الجزء 1-
من يعرف المطور المستقل ديفيد جاليندو، غالباً يعرفه بسبب سمة مميزة، وهي أنه يروي ما يحدث معه في تطوير الألعاب بالتفصيل. فهو يذكر كل أرباحه بالدولار وبعدد النسخ من اللعبة التي باعها وبطرق التسويق التي اتبعها، بل وكم نسخة بيعت على كل منصة قام بنشر اللعبة عليها. كتب ديفيد ست تدوينات تفصيلية حول تجاربه في الربح من الألعاب.
كثيرة هي قصص النجاحات في عالم المستقلين، لكن قصة نجاح ديفيد جاليندو فريدة من نوعها، ليس فقط لأنها ملهمة لحد كبير بسبب أنه يعمل وحيداً وللصعوبات التي استطاع تخطيها؛ بل لأنه بدأ هو نفسه بكتابة قصته، ذاكراً فيها بالأرقام كل التكاليف وكل الأرباح بالتفصيل، فعندما بدأ كتابة أول مقال عام 2010 ستجد أن ما قام به هناك كان بذرة لنجاحه في آخر مقال كتبه 2015. وسنختصر في هذا المقال تجربة ديفيد خلال هذه السنوات الخمس، ونعلّق على أساليبه المتنوعة في تسويق ألعابه، ولعل بعض المعلومات تعرف لأوّل مرة بالنسبة للقارئ العربي.
الانطلاق
ديفيد هو مطور ألعاب بسيط، قبل 2010 لم يحاول أن يربح من الألعاب التي يطورها، وإمكانياته في البرمجة محدودة وعادية جداً، فقد ذكر بنفسه أنه قام باختيار محرك جيم ميكر (Game Maker) لتطوير ألعابه، والسبب أنه لو استخدم محركاً آخر أو طريقة أخرى تتطلب برمجة أكثر لوجد نفسه مضطراً على أن يدفع لمبرمج ليقوم بتطوير لعبته. وهو كذلك ليس لديه خبرة في التسويق، وليس عنده أي مهارات تقنية أخرى.
في 2010 قام ديفيد ببناء أول مشروع ربحي باسم The Oil Blue، وهي لعبة محاكاة (Simulation) يقوم بها اللاعب بتنفيذ بعض المهمات التي توكلها له شركة النفط، وعليه أن يقوم بإنشاء محطات لاستخراج النفط من المحيط وبيع البراميل بأعلى سعر ممكن. يمكنك في اللعبة أن تحدد نوع المعدات وتشتري معدات أفضل لتحقيق إنتاجية أفضل.
شعر أنه لأسباب “بيئية” قامت بعض المتاجر الالكترونية برفض لعبته، وذلك بسبب أن الناس في ذلك عام كانت لا تزال متضايقة من حادثة تفشي النفط في خليج المكسيك، وكان هناك مظاهرات ضد الحفر في المحيطات. وأيضاً لأنه مطوّر غير معروف فكثيراً ما يتم تجاهل رسائل المطورين الجدد بشكل تلقائي من قبل الصحافة أو المواقع الأخرى. وربما كان هذا السبب -ولست متأكداً- لقيامه ببيع اللعبة على موقعه الشخصي. بالإضافة لبعض المنصات التي قبلت بيع لعبته مثل موقع Gamer Gate وهو موقع معروف بأنه يهتم بألعاب المستقلين ذلك الوقت.
التقط لعبته أحد كتاب المراجعات وكتب عنها مراجعة حصرية على موقع الألعاب المستقلة Inidegames.com وعلى إثرها تم نشر عدد آخر المراجعات الجيدة على مواقع صغيرة أو متوسطة، أبرزها مراجعة Jayisgames والتي امتدح فيها الكاتب اللعبة كثيراً وقال أنها لعبة ستستحوذ على ساعات من وقتك دون أن تشعر. وربما اللعبة كانت لن تبيع أية نسخ تذكر لولا هذه المراجعات.
قام المطوّر بوضع تسعيرة $14.95 على اللعبة، وقام في غضون شهر من الإطلاق من بيع 122 نسخة من اللعبة محققاً بذلك ربح $1645 . وتقريباً ربح مبلغ مماثل من بيع اللعبة على موقع Gamergate والمتاجر الأخرى. عدد النسخ كان قليل للغاية بالنسبة لتوقعاته، وقد وصله عدد من الرسائل يقول مرسليها أنهم سيشترون اللعبة في حال كانت متوفرة على متجر ستيم. مع أنه قد عرض اللعبة على ستيم بالفعل ولكن دخول سوق ستيم ليس بالأمر السهل، وخاصة لألعاب بسيطة كهذه. لكنه كان سعيد بهذه الأرباح واعتبرها “بداية صلبة” على حد قوله.
لا استسلام
كثير من المطوّرين سيحبطون ربما لحصولهم على مبالغ قليلة من اللعبة، وربما سيستسلمون ويكتبون مقالاً عن كيف أن تطوير الألعاب عملية غير مربحة ولا تستحق العناء والوقت الذي يستهلكه المطوّر في بناء تطبيقات معقدة مثل الألعاب (والتي أصبحت منتشرة مؤخراً). لكن ليس ديفيد؛ يبدو أنه كان صاحب بعد نظر بالرغم من خبرته الضئيلة.
كان لديه ألعاب أخرى بسيطة، ولكنه لم يستطع أبداً الحصول على أية دعاية لهذه الألعاب بسبب عروض ومبيعات العطلة، وكل المواقع منشغلة بالتخفيضات وبالألعاب الجديدة التي تتنافس على مراتب أعلى في المتاجر الالكترونية ولا يمكن للألعاب البسيطة أن تنافس هذه الألعاب أو تحصل على أية اهتمام من المدونين واللاعبين على موقع يوتيوب.
لكن هذا لم يمنعه من القيام ببعض التجارب التسويقية؛ فقام بعمل حزم تسويقية (Bundles) وأصبح يبيع أكثر من لعبة بحزمة واحدة وبسعر مخفض، بأسعار 25,20,13 دولار للحزمة، ووضع كل ألعابه الخمسة فيها. هذه الحملة التسويقية حققت $485 من المبيعات الإضافية. “ليس سيئاً بالنسبة لأمر كلّف صفراً من الدولارات” – قال ديفيد. وخاصة أن هذه الألعاب لم تكن تحقق أي مبيعات أساساً.
هذا درس يجب أن يتعلم منه كل مطوّر، وهو محاولة الاستمرار في التسويق لمنتجاته، وعندما لا يمتلك المطوّر المال الكافي للتسويق، فهذا لا يعني ترك الموضوع والاستسلام، أمور بسيطة قد تحقق نسبة جيدة من الأرباح الجديدة، وخاصة أن بعض الأمور التسويقية لا تكلف إلى الوقت البسيط.
الأرباح النهائية
استجاب ستيم أخيراً لطلب المطوّر، لكن الإجابة أتت بالرفض. ذكرت الرسالة أن اللعبة غير مناسبة للنشر على ستيم. لكنهم لم يخبروه لماذا. يقول ديفيد في مقالته :”أنا لست ساذجاً وأعلم أن الدخول في ستيم لا يعني حفنة كبيرة من الأموال، لكنني أعلم التالي: أنا أمتلك جمهور قليل. وستيم لديه جمهور ضخم. و نسبة التحوّل من نسخة الديمو للعبة إلى النسخة الأصلية نسبة قوية (ويقصد أن القليل ممن يعرف اللعبة أعجبتهم اللعبة)، من المؤسف أنني لم أحصل على فرصة مع ستيم، لكن ليس بوسعي الكثير لفعله”
لم يمنعه رفض طلبه بنشر اللعبة على ستيم عن التوقف في محاولات التسويق، وقام بتغيير أسعار الحزم، وخلال هذه الفترة راسله كاتب يدعى مايك روز، وأخبره أنه يريد أن يضع لعبته في كتاب بعنوان “250 لعبة مستقلة يجب أن تلعبها”، مما أدت لمبيعات إضافية تقل عن ألف دولار. وكان سعيد جداً على هذه المبادرة وأن أحدهم أعجب بلعبته لهذا الحد.
المبلغ النهائي لمبيعات اللعبة كان وحتى تاريخ مقالته الثالثة في منتصف 2011 هو $4,480 دولار ويجب أن تطرح منها 800 دولار كتكاليف. لم يحقق هدف شخصي وضعه لنفسه وكان يريد الحصول على عشرة آلاف دولار من اللعبة على الأقل. لكن تجاربه التسويقية لمدة عام كامل تعلم منها الكثير من الأمور، منها أن سعر $15 دولار هو سعر مرتفع وسيتجنبه في مشروعه القادم، والذي ينوي أن يكون مشروع حول نظام القضاء في الولايات المتحدة.
مشروع جديد
بعدما توقف عن تسويق مشروعه السابق وبدأ العمل على مشروع جديد، قام ببيع لعبته The Oil Blue من خلال موقع IndieRoyale وهو موقع مختص ببيع الألعاب في حزم مثل الموقع الشهير HumbleBundle ولكنه يركّز عادة على الألعاب الأقل شهرة. وحقق من هذه البيعة آلاف، (ولم يذكر بالتفصيل) ولكنه أكبر من المبلغ النهائي الذي حققه قبل هذه البيعة! وأراد أن يستخدم هذه النقود في تمويل مشروعه القادم.
لسوء حظه قام بإنفاق خمسة آلاف دولار لعمل رسومات مشروع نظام القضاء الذي كان ينوي فعله ثم شعر بأنه مشروع أكبر بكثير من قدرته، وقام بإيقاف العمل. وبدأ بمشروع جديد. وهو عبارة عن لعبة طبخ احترافية (وصعبة) موجهة للاعبين المتمرسين وهي مبنية على لعبة كان يحبها على جهاز البلايستيشن 1 ، وكان سابقاً قد قام بصناعة لعبة مجانية (حملها من هنا) حولها برسوماته المتواضعة. ولكنها أعجبت الكثيرين وطلب منه الكثير أن يقوم بتحويل هذه اللعبة لمشروع احترافي.
قام باستخدام نفس الرسام والموسيقي من لعبته السابقة؛ فقد كان راض عن أدائهما. وقد كلفه إنشاء الموسيقى والرسوم مبلغ $4500 دولار، وأيضاً هناك تكلفة شراء رخص محرك جيم ميكر (Game Maker) متضمنة رخص النشر على الأجهزة الذكية والتي كانت $2500. بالإضافة لألف دولار قرر تخصيصها للدعاية.
قام بإصدار نسخة تجريبية من اللعبة للحصول على آراء من يختبرها، مما ساعده على تحسين جودة اللعبة كثيراً، فمثلاً اشتكى الكثير من الوقت الطويل الذي يحتاجه اللاعب ليقوم برفع مستواه في اللعبة (Leveling) وكان ينوي أن يسوّق اللعبة على أن مدتها التقريبية أكثر من عشرين ساعة لكنه قال “أفضل أن يلعب اللاعب 12 ساعة ممتعة على أن يلعب 20 ساعة غير ممتعة كثيراً” ومع أن هذا الأمر أزعجه، لكنه كان الأمر الصائب لفعله.
قام بإطلاق اللعبة متفائلاً بسعر $8.95 دولار، على موقعه الشخصي وعلى منصتي GamerGate و Desura. خلال بضعة أيام لم يحقق إلا $250 دولار، بدأ يشعر بالذعر حول لعبة أنفق فيها الكثير من الوقت والمال. كانت هذه الأيام هي أكثر أيامه تعاسة، أحس أنه أخفق تماماً، وبدأ يطمئن نفسه بأنه سيربح أكثر عند إصدار نسخة الماك والآيفون. وحينها قام بالتقاط لعبته موقع Rock Paper Shotgun وهو موقع كبير من حيث عدد المتابعات، مما رفع مبيعاته إلى $900 دولار مع مرور أسبوع. ولو أن المبيعات استمرت بهذا السوء لترك تماماً صناعة الألعاب.
عامل الحظ
البعض يعتبر أن المقالات والمراجعات التي سيكتبها الآخرين لك هي عبارة عن حظ، والآخر يعتبر أن اللعبة الجيدة بلا شك سيكتب عنها المواقع الكبيرة. وفي الواقع يوجد قليل من الصحة في كلا الرأيين.
بعد مرور أسبوع وصلته رسالة من Ryan Davis وهو أحد المحررين في موقع GiantBomb. لم يصدّق عيناه! هل هذا هو Ryan Davis نفسه الذي كان يتابعه بشغف ويتابع الإذاعة الخاصة به لسنوات؟! أصبح يجري عبر المنزل متراقصاً من شدة الفرح، لكنه سرعان ما أدرك أن الأمر لم يكن لتغطية كبيرة حول اللعبة. الأمر كان مجرد أن المحرر سيقوم بلعب اللعبة، ويقوم بنظرة سريعة على اللعبة من خلال الفيديو والذي تم نشره على قناة اليوتيوب الخاصة بالموقع ومدته 30 دقيقة.
تجربة أن يلعب لعبتك شخص تحبه وتتابعه منذ سنوات كانت جداً مرعبة وممتعة ومشوّقة بالنسبة لديفيد، قام بمشاهدة الفيديو وقلبه كان يتسارع من الحماس والخوف، بل قام بمشاهدة الفيديو عدد كبير من المرات، وربما كان سيشاهده مرات أكثر وأكثر لولا أنه أدرك أنه يجب أن يتفرغ لتسويق اللعبة.
وبعد ثلاثين دقيقة فقط من نشر الفيديو بدأت رسائل المبيعات من المتاجر بالوصول، خلال الشهر الأول حقق أكثر مما حققته لعبته السابقة خلال سنة كاملة ووصل إلى مبلغ $7400، كان يعلم أن إصدار اللعبة على الكمبيوتر الشخصي فقط ليس جيداً، لكن محرك Game Maker Studio والذي يدعم التصدير للآيفون في ذلك الوقت لم يكن جاهزاً وكان حتى ذلك الوقت يعمل على الإصادر 8,1 من المحرك. لكنه أصدر اللعبة على الماك وحققت $1500 إضافية.
أخطاء كبيرة
بدأت اللعبة بالانتشار على اليوتيوب وعثرت عليها قناة Northernlion وهي أكثر شهرة من سابقتها. مما دفع بلا شك مبيعات اللعبة أكثر وأكثر إلى الأمام. خلال هذه الفترة والتي اكتسبت فيها اللعب بعض الشهرة كان يقوم بقراءة مقالات ليتعلم منها كيف يصدر اللعبة في متجر أبل وأندرويد. وبعد بضعة أشهر أصدر اللعبة على الآيباد ولكنه لم يوفق في ذلك كثيراً، فقد قام بنشر اللعبة في موسم مبيعات، ورفض فكرة أن يبيع اللعبة بسعر دولار واحد، وكان هناك الكثير من الألعاب الكبيرة وقتها بسعر دولار واحد ومن شركات كبيرة، ولم يتمكن من التنافس معهم مطلقاً. غير أن اللعبة لم تعمل على آيباد 1 رغم محاولاته ووصلته رسائل مزعجة بهذا الخصوص.
إضافة لذلك قام بنشر نسخة تجريبية لمدة 30 دقيقة من اللعبة في متجر أبل وأضاف كلمة “مجانية” (Free) إلى اسم اللعبة، وتفاجأ أن اللعبة بدأت تحصل على بعض المراجعات السيئة والتي تقول أن اللعبة مغشوشة وليست مجانية. استغرب من الأمر وخاصة أن النسخة المدفوعة من اللعبة كانت مراجعاتها إيجابية بالمجمل. عندها سأل أشخاص لديهم خبرة في متجر أبل وأخبروه أن كلمة (Free) تعني أنها مجانية بالكامل وليست تجريبية (Demo). فقام بتغيير اسم اللعبة إلى (Lite) ولم يواجه بعدها مثل هذه المراجعات!
ديفيد يترك الوظيفة!
بعد مرور ستة أشهر على إطلاق اللعبة، حقق ديفيد مبيعات بحدود 28 ألف دولار، أي 17 ألف دولار أرباح بعد خصم تكاليف اللعبة. مبيعات البي سي والماك كانت $16,200 دولار، والباقي كان من نصيب نسخة الآيباد وكذلك $3500 جراء بيع حزمة جديدة على موقعه تحتوي على خمسة ألعاب تشمل لعبته الحالية ولعبة The Oil Blue.
جراء هذه الأرباح قام ديفيد بترك وظيفته، للتركيز على تسويق اللعبة والعمل على مشاريع أخرى، فأصبح بإمكانه أن يعيش فقط من بيع ألعابه، وإن كانت المبالغ قليلة نسبياً لكنه كان يتوقع ازدياد مبيعات لعبته بسبب المراجعات الممتازة وأن الناس أعجبتهم اللعبة. لكن هل كان قرار ديفيد بترك الوظيفة في محله؟ سنعرف ذلك في الجزء الثاني!
في انتظار الجزء الثاني بفارغ الصبر…
لقد أشعلة حماسي ياعبد الرحمن…
مقالة مميزة يا عبدالرحمن ، ولم نعهد منك إلا المميز
مقالة رائعة
رائع مقالة جميلة جدا
السلام عليكم أخي أريد البدء في تطوير الألعاب ,, مع العلم أني و حدي في العمل ,, بئي محرك لتطوير تنصحني و أي لغة برمجة و أي للكميوتر أو للهواتف ,, أو لااثنين معا
مقالة رائعة جدا ردت لى الروح مرة اخرى
قصة ممتازة وملهمه بالفعل وافضل شى هو العمل الحر بالرغم من خطورته ولكنه افضل مليون مرة من الوظيفة