العربية في الألعاب: اللغة أم الثقافة؟

العربية في الألعاب: اللغة أم الثقافة؟

عندما لعبنا Metal Gear Solid لأول مرة، لم يكن لدي أدنى فكرة عن أن اللعبة أُنتجت وصُنعت في اليابان، لم أكن مهتماً وقتها بشركات الألعاب، كنا صغاراً ونريد أن نلعب فقط. عندما رأيت النسخة اليابانية للعبة وجدت أن الأداء الصوتي لسنيك (Snake) كان أفضل بكثير في النسخة الإنجليزية؛ دبلجة اللعبة إلى اللغة الإنجليزية لم يُفسد اللعبة أبداً، بل حافظت اللعبة على طابعها الياباني ولم يُقلل ذلك من متعتها.

بشكل عام يستطيع اللاعب المتمرس (الجيمر) أن يعرف كون اللعبة يابانية أم أمريكية من طبيعة القصة أو أنواع الرسوم، بل هناك ما يعرف بألعاب تقمص الأدوار اليابانية (JRPG) وهي ألعاب RPG يابانية… فهناك اختلاف كبير بين ألعاب RPG الأمريكية واليابانية، وبعض اللاعبين قد يحبون نوعاً دون آخر. ما أرمي إليه هنا أن اللعبة الممتعة هي لعبة ممتعة بثقافتها الأصلية، بعض الناس مهووسين بالأساطير اليابانية؛ طبيعة الرسوم الموجودة في المانجا والأنمي، والروبوتات الكبيرة، وأسطورة زيلدا، وقد لا يعرفون كلمة يابانية واحدة.

اللغة والثقافة

الثقافة أيضاً موضوع شخصي وليس محلّي، بمعنى أوضح؛ ميتال جير (Metal Gear) ومع أنها يابانية، إلا أنها متأثرة وبشكل واضح بالسينما الأمريكية، وقد أعرب هيديو كوجيما عن حبه للسينما الأمريكية سابقاً، فأنتج لنا هذا المزيج الرائع، اللعبة تحتوي على أساطير اليابان، ابتداءاً من الروبوت العملاق، وانتهاء بالشخصيات الغريبة التي تمتلك قدرات خاصة جداً، أو بعبارات مثل: ” أنت ليس لك ماض، وليس لك مستقبل، أنت تعيش في اللحظة ” ولكنها في المقابل تحتوي على المؤامرات التي نراها في السينما الأمريكية، كيف أن البنتاجون (The Pentagon) يعمل بطريقة حقيرة، ويعاني منها بطل اللعبة في عدد من المواقف.

لغة اللعبة هي مسألة توزيعية ولا تؤثر على مضمون اللعبة نفسها، وغالباً ما تكون ضمن مسؤوليات قسم التوطين (Localization) ، وغالباً ما يقتصر عمل هذا القسم على الترجمة أو الدبلجة، وعندما يحاول تعديل الدبلجة أو اللعبة نفسها لتتناسب مع ثقافة المنطقة، فإن القيمة الفنية للعبة ستنخفض حتماً كون بعض المشاعر والأفكار قد تتغير عن الأصل الذي قصده مطور اللعبة. وتُعدّ الألعاب أكثر الوسائط التي تحتاج لمهارات خاصة في ترجمتها، ويوجد كتب متخصصة في ذلك، في مقال بعنوان Practical skills for video game translators نشر في مجلة MultiLingual، تحدث عن كيف تم نشر الألعاب اليابانية في أمريكا، ومالذي تم تعديله عليها، وكيف حافظت -في ذات الوقت- على نفس الشعور والمضمون الموجود في النسخ اليابانية.

كيف تؤثر الثقافة على الألعاب؟

القدس في لعبة Assassin's Creed

القدس في لعبة Assassin’s Creed

الكثير من اللاعبين يدركون هذا بشكل لا واعي، فالألعاب -كأي وسط فني آخر- تستفيد من المخزون الثقافي الموجود في رأس الفنان، والذي يتكون أساساً من مخزون يرثه من المجتمع الذي يعيش فيه، بالإضافة لما يلهمه من فنون الثقافات الأخرى – كما ذكرت في مثال ميتال جير (Metal Gear) – ولنأخذ مثالاً وليكن شهيراً كلعبة Assassin’s Creed، ستجد أن اللعبة تصور حقبة زمنية معينة. لكن يجب إدراك أن تصور هذه الفترة أتى قبل البدء بتصميم اللعبة، فالكاتب لم يكن ليستلهم الفكرة أساساً لولا إطلاعه على تاريخ هذه المنطقة، كما أن فكرة الآلة التي تقرأ الذكريات مستوحاة من خيال علمي يقول أن الذاكرة تبقى محفوظة ويتوراثها الأجيال، أما الآلة التي تُولّد الصور فقد تكون مستوحاة من فلم The Matrix.

في لعبة Papers, Please، وهي لعبة مستقلة تلعب فيها دور موظف في الهجرة والجوازات لدولة عسكرية صارمة. تم فيها تصوير عصر معين بطريقة رائعة، تستطيع كلاعب اختبار مرارة الحياة والمشاكل التي كانت تحدث في الدول الاشتراكية الشيوعية، ابتداءاً من الصعوبات المادية وانتهاءاً بالأعمال الإرهابية. وعلى الرغم من أن جميع الدول في اللعبة هي دول مصطنعة وليست حقيقية، لكنها استلهمت مآسي نشأت تحت ظروف معيشية خاصة في الحقيقي من تلك الدول.

ألعاب ” عربية “

أحد ألعاب شركة العالمية

الصناعة العربية للألعاب عندما بدأت في الثمانينات -وتوقفت إلى حد ما- كان أشهرها هو منتجات شركة ” العالمية ” والتي أنتجت بعض ألعابها على منصة MSX وبعد ذلك على نظام الويندوز. الطابع العربي كان موجوداً في تلك الألعاب؛ لكن معظم هذه الألعاب كانت تعليمية، وهذا ما أبعدها عن المنحى الثقافي والفني، لذلك لم أجد أمثلة لألعاب تمثل الثقافة العربية بشكل جيد. عندما قام بعض المطورين بالمشاركة في مسابقة تطوير الألعاب العربية زنقة تاكو، قدمت هذه الألعاب أمثلة رائعة لما يمكن تقديمه من ألعاب بطابع عربي. هناك ألعاب أقدرها شخصياً لهذا الطابع مثل خروفي خروفي و قرقيعان. هذه الألعاب عربية ولن ينقص متعتها لو بقيت كما هي وكانت الواجهات بلغة أخرى.

لكن بشكل عام الألعاب العربية المقتبسة من ثقافتنا قليلة، وذلك لعدة أسباب قد يكون أبرزها هو تأثرنا نحن بالألعاب الغربية، فحتى الألعاب العالمية تتأثر ببعضها، فكثير من عناصر ألعاب تقمص الأدوار (RPG) الغربي ذهبت إلى الـنوع الياباني (JRPG) ولكن الصناعة في اليابان وأمريكا نشأت بشكل شبه منفصل، أما نحن كلاعبين فقد نشأنا على هذه الألعاب، وهي التي ألهمتنا لنصبح مطورين، أضف إلى ذلك أن الجزء الآخر من ثقافتنا هو من الأفلام والموسيقى والمسلسلات الغربية، والأسوأ من ذلك كله أن الفنون عندنا معظمها ضعيف ولا يعبّر حقيقة عن ثقافتنا، وأخص بذلك كل مواد التلفزة لدينا.

ألعاب بلا ” ثقافة “

espn-nhl-hockey-image175700

معظم الألعاب الرياضية لا تعبر عن أفكار

كوننا ندعوا لأن يكون هناك ألعاب بثقافة عربية؛ لا يعني بالضرورة أنه يجب على المصمم العربي أن يلتزم بصنع مثل هذه الألعاب، كما أن بعض الألعاب لا تحتاج بالضرورة أن تمثل ثقافة أو فكرة، كما في كثير من ألعاب الألغاز (Puzzles) أو الرياضة أو الأركيد (Arcade) فكرة القدم -مثلاً- هي لعبة تمثل لعبة، وليس فيها تراث أو أدب. أو مثلاً كلعبة Mulled بصناعة عربية (اطلع عليها إن كنت لا تعرفها)؛ هي لعبة ألغاز تتطلب التحكم بكرات بيضاء لإيصالها لأماكن معينة، وهناك كرات سوداء تعيقك. في لعبة كهذه؛ لا يجب أن تحشر رموز أو شخصيات عربية فقط لجعلها بطابع عربي، ولا أظن أن ذلك سيجعل اللعبة أكثر قبولاً حتى لدى المستخدم العربي، اللعبة ممتازة كما هي، وحققت الهدف الذي ترمي إليه.

هل سنرى ألعاب بثقافة عربية؟

الركاز-في-اثر-ابن-بطوطة-7

طابع المدن المغربية في الركاز

رأينا ذلك بالفعل في أكثر من لعبة، آخرها لعبة الركاز في أثر ابن بطوطة، والتي عكست الطابع العربي بشكل جيد. المشاكل التي تحدث عنها عدد من المراجعين كانت معظمها مشاكل تقنية أو مشاكل في تصميم طريقة اللعب (Game Play Design) ولكن لو تخطت اللعبة هذه المشاكل، أظن أنها ستكون لعبة ممتازة، وسيستمتع بالطابع العربي المميز اللاعب الغربي -مثلاً- إن تُرجمت إلى لغته. أريد أن أقول ختاماً أنه إذا نظرنا للألعاب على أنها فن، وليست مجرد منتج تجاري فيجب أن تكون كباقي الفنون، يستمتع بها الشعوب الأخرى، كرواية الخيميائي (The Alchemist) التي ترجمت إلى 67 لغة، بل قد تستمع بها الشعوب الأخرى أكثر كونها تعكس أفكاراً جديدة لم يعتادوها أو يروها من قبل.

كم من الجميل أن نرى أعمالاً تمثل جزءاً من ثقافتنا، كفنون الصيد مثلاً في صحاري السعودية، أو تصوير جزءاً من تاريخ مصر الحديث كعهد الملك فاروق وما حصل فيه، وقد لا يكون تاريخياً بل غنائياً كأسطورة كوكب الشرق أم كلثوم؛ كما في لعبة The Beatles Rock Band والتي قد تهم الكثير. أو لعبة تمثل مشاهد الألم في ثورات الربيع العربي، وليس بالضرورة أن تكون ألعاباً سياسية، والتي عادة ما تتحول إلى بروباجاندا، بل أن تكون ألعاب تمثل آلام شخصية وقد تكون في دول خيالية وغير حقيقية. لدينا مخزون كبير من الأدب، والرواية، والشعر، والتي قد تلهم المطور العربي لألعاب مميزة ليس لها وجود من قبل، والتي قد تمتع اللاعب الغربي والعربي على حد سواء .. إن نُفذت باحترافية.

إن أعجبتك هذه التدوينة، نأمل منك عزيزي القاريء أن تسجل بريدك في النموذج بالأسفل حتى يصلك جديدنا أولاً بأول:
[wysija_form id=”1″]

كما نأمل أن تدعمنا بنشر هذه التدوينة على الشبكة الاجتماعية المفضلة لديك بالأسفل:

عبدالرحمن خلوف

آخر المقالات
التعليق ( 1 )
  1. [مراجعة تحليلية] تجربتي للعبة الركاز: في أثر ابن بطوطة | زاش
    31 أكتوبر، 2014 at 3:13 م
    رد

    […] ملاحظة: بعد أن أنهيت كتابة المقال وجدت كاتب من كليفورنيا يقول في مقاله حول اللعبة بعد أن يصفها "بالعاطلة" ويبين الأخطاء والمشاكل الكبيرة في اللعبة: "إنها لأحد أمتع الألعاب التي لعبتها خلال الفترة السابقة، ويجب تجريب اللعبة لتصديق ذلك" – في المقال لم يكتب عن الإخراج الفني الذي أعجبني، ولكن ما أعجبه هو الأشياء الجديدة والطابع الإسلامي في اللعبة، والذي يؤكد على فكرة كتبتها في أول مقال لي على زاش: العربية في الألعاب: اللغة أم الثقافة. […]

‎اضف رد